/ الفَائِدَةُ : (128) /
03/05/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / الأَدبُ الإِلَهِيُّ كَاشِفٌ عن صلاحيات ومواقع إِلهيَّة / إِنَّ هناك أَمراً استقرَّت عليه كلمة مُحقِّقي المُتكلِّمين والمُفسِّرين وغيرهم من بُحَّاث المعارف يَجْدُرُ الْاِلْتِفَات إِليه ، حاصله : أَنَّ الأَدب الإِلَهِيَّ من اللَّـه (عزَّوجلَّ) مع أَصفيائه ، أَو من الأَصفياء معه تعالىٰ ، أَو بين الأَصفياء يرجع في حقيقته إِلى أَنَّ مَنْ حُبي بهذا الأَدب يتمتَّع بمقامات دينيَّة ، وصلاحيَّات شرعيَّة ، ومواقع عقائديَّة . مثاله : ما حصل من النَّبيّ موسىٰ اِتِّجَاه الخضر عليهما السلام ، في الحوارية الَّتي جرت بينهما ، وحكتها بيانات سورة الكهف(1) ؛ فإِنَّه حينما يصف نفسه بـ : (التابع في بيان قوله جلَّ جلاله ـ المُقتصّ لخبرهما ـ : [قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا](2) ؛ ليست قضيَّة مجاملات أَو تعارفات أَو مدائح ، وإِنَّما حقيقة كاشفة عن مقامات وشؤون وهِبَات إِلَهِيَّة يتمتَّع بها الخضر دون النَّبيّ موسى عليهما السلام ، ومعناه : أَنَّ للخضر موقعيَّةً إِلَهِيَّةً غيبيَّةً ، لا يتمتَّع بها النَّبيّ موسىٰ عليه السلام ؛ وإِنْ كان له عليه السلام(3) من جهةٍ أُخرىٰ فضلاً وكمالاً وموقعيَّةً إِلَهِيَّةً غيبيَّةً ؛ لا يتمتَّع بها الخضر عليه السلام ، امتاز وتقدَّم بها عليه . وعلى هذا قس : ما فعله الخضر عليه السلام ؛ فإِنَّه لم يقل للنَّبيّ موسىٰ عليه السلام : (اتبعني) ، وإِنَّما قال : [ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي](4) فإِنَّه لو كانت له ولاية تفوق ولاية النَّبيّ موسىٰ عليه السلام من جميع الجهات لكان المناسب له أَن يَبُتَّ بالقضيَّة ، ولا يجعل الخيار بيد النَّبيّ موسىٰ عليه السلام . ومعناه : أَنَّ بينهما عليهما السلام مشاركة ولائيَّة إِلَهِيَّة ، وتوزيع أَدوار إِلَهِيَّة . إِذَنْ : في عَالَم الأَصفياء نظم ولائي غيبيّ إِلَهِيّ ، دقيقٌ ورشيقٌ جِدّاً ، وصفاء عجيب في دقَّة الحقائق والمواقع والمأموريَّات والمناصب والمواقع والمقامات الْإِلَهِيَّة بشكل بديع ؛ لا يزيد فيها مخلوقٌ على حَدِّه وقدره المتمتَّع به من يد السَّاحة الْإِلَهِيَّة . وبالجملة : الأَدب الإِلَهِيُّ ـ من اللَّـه عزَّوجلَّ اِتِّجَاه الأَصفياء ، أَو من الأَصفياء اِتِّجَاهه (تقدَّس اسمه) ، أَو بين الأَصفياء المُصطفين بالْاِصْطِفَاء الْإِلَهِيّ ـ يُحدِّد مواقع الأَصفياء الرسميَّة الْإِلَهِيَّة ودرجات الولاية الْإِلَهِيَّة . /التَّأَدُّب مع سَيِّد الْأَنْبِيَاء وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من أُصول الدِّين / /فروع الدِّين لا تحبط أُصوله ، بل العكس / ثُمَّ إِنَّ ما ورد في كثير من بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تقدَّست أَسماؤه : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ](5). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ على أَنَّ التَّأَدُّب مع سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ـ بل وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ ليس من فروع الدِّين ، بل من أُصوله ، وإِلَّا كيف تحبط الفروع مطلق أَعمال المُكلَّف ، منها : الأُصول والإِيمان ، فكيف يحبط سوء أَدب فرعي مع سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الإِيمان باللَّـه تعالىٰ ؛ وهو من الأُصول . وصلى الله على محمد واله الاطهار . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الكهف : 65 ـ 82. (2) الكهف : 66. (3) مرجع الضمير : (النَّبيّ موسىٰ عليه السلام). (4) الكهف : 70. (5) الحجرات : 2